-->
تخطيط الوضعيات الديداكتيكية والتدريس: من الأهداف إلى الكفايات

اعلان 780-90

تخطيط الوضعيات الديداكتيكية والتدريس: من الأهداف إلى الكفايات


تخطيط الوضعيات الديداكتيكية والتدريس: 

من الأهداف إلى الكفايات

بداية، نحدد مفهوم الوضعيات التعليمية التعلمية ( الوضعيات الديداكتيكية )، ثم مفهوم التخطيط، قبل التطرق إلى الأهداف التربوية القائمة على تخطيط 
الوضعيات الديداكتيكية أو التعليمية التعلمية، ثم الانتقال من الأهداف إلى الكفايات في التدريس.

أولا : مفهوم الوضعيات التعليمية التعلمية:
إنها تلك الوضعيات التي يوجد فيها المتعلم في علاقة مع المادة الدراسية ومع المدرس، والتي تشمل مجموعة من الخطوات والعمليات والأفعال يتم التخطيط لها انطلاقا من أهداف أو حاجات أو مشكلات، وتتضمن مجموعة من المكونات المتفاعلة (مدرس، تلاميذ، مادة، طرائق، وسائل، تقويم، دعم...) .
ثانيا : مفهوم التخطيط:
ففي معجم روبير "Le robert" فإن التخطيط Planification هو: "تنظيم بحسب تصميم معين". وفي معجم هاشيت "Hachette"، وردت لفظة خطط Planifier، بمعنى "نظم وتوقع في ضوء تصميم أو خطة". 
فحسب هذين التعريفين، فمفهوم التخطبط يتضمن دلالة التنظيم والتوقع، وهما دلالتان عامتان لأي عملية تخطيط؛ وهو، من جهة، وضع تصور ما سيحدث في المستقبل، وتنظيم جملة من العناصر والمكونات وفق نظام معين، من جهة أخرى. 
لقد حدد لوجيندر R. Legendre في معجمه "éducation ' Dictionnaire actuel de l " مفهوم التخطيط باعتباره عملية وسيرورة للوضعية الديداكتيكية على أنه "استراتيجية عامة للتدريس يعدها المدرس طبقا لبرنامج وحسب وضعية معينة"، ويضيف موضحا عناصر هذه الاستراتيجية قائلا: "تقدم خطة الدرس مقتضيات الإنجاز والتكيفات الضرورية لما تستلزمه خصائص الأفراد وكذلك الوسائل المتوفرة والشروط الخاصة للتعليم والتعلم". 
إن تصميم خطة الدرس وإعدادها (تحضيرها) يعني إخضاع مجموعة من العناصر إلى نظام معين. يقول يوسف قطامي في كتابه "سيكولوجية التعلم والتعليم الصفي" عن التخطيط باعتباره تنظيما: "إن التخطيط عبارة عن خريطة سير يهتدي بها المدرس لتوجيه ممارساته وإجراءاته التدريسية". ويفسر قطامي هذا المعنى قائلا: "إن عملية التخطيط تجعل العملية التعليمية عملية منظمة ومخططة وهادفة، وبذلك توجه المدرس إلى خط السير ومدى التزامه بخريطته، وتوجيه انتباه المتعلمين وحصره في تحقيق الأهداف المتوخاة في مخطط المدرس". 
أما التخطيط باعتباره توقع، فإن قطامي يحدده قائلا: "إنه تصور إسقاطي أو تشريع لما يمكن أن يكون عليه التدريس المقبل (المرتقب) من أهداف ومعارف وأنشطة تعلم وتعليم وتوجيه ووسائل وتقويم ودعم، لتحقيق أنواع التحصيل المطلوبة لدى فئة معينة من المتعلمين". 

فمن خلال التعارف المقدمة، نختزل أهم المبادئ التي تحدد مفهوم التخطيط في ما يلي: 
1. التخطيط عملية وصيرورة لأنه ينبني على مجموعة من الإجراءات المنهجية. 
2. التخطيط نظام تصمم وفقه عناصر الدرس ومكوناته ومراحله. 
3. التخطيط توقع لنتائج مستقبلية والأعمال التي تمكن من تحقيقها. 
استنادا إلى هذه المبادئ الثلاثة، يمكن بلورة مفهوم إجرائي لتخطيط الدرس، يؤكد على أنه عملية تعتمد مجموعة من الإجراءات المنهجية التي تنتقي وترتب وتهيكل وتنظم وفقها عناصر الدرس ومكوناته في ضوء أهداف ونتائج نتوقعها. ولا شك أن هذا التعريف يحتوي على المبادئ الثلاثة التي تعتبر التخطيط عملية وصيرورة وتنظيم وتوقع. 
من هنا، نلتقي مع مبدأ أساسي من مبادئ تخطيط التدريس، وهو كون الدرس نسق Système متكامل العناصر، تنظمه بنية متداخلة تسعى إلى تحقيق أهداف معينة. ومن ثمة يمكن القول إن التخطيط يتضمن بناء لنظام الدرس بأساليب تنتظم وفقها العناصر، بحيث تغدو كلا منسجما يصبو إلى تحقيق أهداف معينة.

ثالثا : الأهداف التربوية:

II - تحديد معنى الهدف البيداغوجي: 
ليس هناك تحديد نهائي وتام لمعنى الهدف البيداغوجي. فالتحديد الذي سنقوم به الآن يبقى تعريفا أوليا وتقريبيا. وسوف نستمده من التعاريف المقترحة التالية: 
1. سيزار بيرزي Cesar Birzéa: "الهدف هو تخطيط لنوايا البيداغوجية وتحديد نتائج صيرورة التعليم". 
2. ماجر Mager: "الهدف هو وصف لمجموعة من السلوكات والإنجازات التي سيبرهن المتعلم على قدرته من خلال القيام بها". 
3. دي كورت De Corte: "الهدف هوتعبير صالح ومرغوب فيه وممكن تحقيقه في سلوك المتعلم، والذي نريد به أن يكتسب سلوكا جديدا أو يتقن سلوكا مكتسبا في السابق". 
4. بوفان Pophan: "الهدف هو ما ينبغي أن يعرفه المتعلم أو يكون قادرا على فعله أو تفضيله أو اعتقاده عند نهاية تعليم معين. إنه يتعلق بتغيير، يريد المدرس إحداثه لدى المتعلم، والذي سيصاغ بصيغة سلوك قابل للقياس والملاحظة". 
إن هذه التعارف المتقاربة، ترتكز بالأساس على تحديد نوعية الأهداف، التي يصوغها المدرسون لتعليمهم. وهي تعارف تركز على العناصر التالية المشتركة: السلوكات والإنجازات التي يقوم بها المتعلم، ليبرهن على تعليمه، والتغيير المراد إحداثه لدى المتعلم، بفضل تعليم معين، والنتيجة المراد الوصول إليها بتعليم معين، على شكل نوايا مصرح بها. 
وهكذا، فإن هدفا محددا بدقة، يترجم بوضوح، المبادئ التالية: 
* مبدأ النية، الذي يعبر عنها بوضوح صريح ومعلن للمتعلمين. 
* مبدأ الهدف، الذي يسير نحوه التعليم على شكل نتائج ملموسة. 
* مبدأ الفعلية، الذي يبين الإنجازات والأنشطة التي سيقوم بها المتعلمون. 
* مبدأ الحسية، الذي يجعل هذه الأهداف، قابلة للملاحظة والقياس. 
وانطلاقا من هذه العناصر وهذه المبادئ، التي كثيرا ما تتردد في التعارف الحديثة للأهداف، يمكننا صياغة التعريف التركيبي التالي: "إن الهدف سلوك مرغوب فيه، يتحقق لدى المتعلم، نتيجة نشاط يزاوله كل من المدرس والمتعلمين، وهو سلوك قابل لأن يكون موضع ملاحظة وقياس وتقويم". 

III - الأسس النظرية للأهداف البيداغوجية: 
ترجع الأسس النظرية التي قامت عليها بيداغوجية الأهداف إلى ثلاثة أساسية، وهي: 
1. الفلسفة البرغماتية: ظهرت هذه الفلسفة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتزعمها عدد من الفلاسفة، أبرزهم جون ديوي J. Déwey، فهي تعرف تسميات عدة، فتارة تعرف بالنفعية، وأخرى بالعملية، وثالثة بالأدائية، ورابعة بالتجريبية. فالمعرفة التي تنشدها هذه الفلسفة، تقوم على التقاط مشكلات من واقع الحياة العملية واستشعارها، ثم صياغة فرضيات ملائمة لها وتجريبها في الواقع، لاستخلاص النتائج السليمة التي يمكن الاستئناس بها في ممارسة الحياة والتعبير عنها. 
هذه الفلسفة، بمعطياتها النظرية والعملية، مؤهلة لتكون إطارا يستند إليه تعليم يريد هو الآخر أن يكون تعليما عمليا ونفعيا، تظهر نتائجه الآن وقبل أي وقت آخر. إن البرغماتية كفلسفة، ترفض كل توغل في التأمل المجرد، وتسعى بالمقابل نحو الوضوح وما هو عملي ومحسوس، ونحو ما هو محدد ودقيق. وهذا ما تسعى إلى تحقيقه بيداغوجية الأهداف. 
2. التطور الصناعي في المجتمع الأمريكي: إن التطور التيكنولوجي الهائل الذي عرفه المجتمع الغربي، وخصوصا المجتمع الأمريكي، أدى إلى تطور الميدان الصناعي، بفضل عقلنة هذا الأخير، انطلاقا من تجربة تيلور Taylor الذي دعا إلى تجزيء عملية الإنتاج إلى وحدات أو مهام صغرى وفق مبدأي الفعالية والإنتاجية. وهنا تأني مشروعية التساؤل، إذا كان نجاح المؤسسة الصناعية رهينا بقيامها على مبدأ التسيير العقلاني ويقاس بمدى مردوديتها ونفعيتها، أفلا يمكن أن نطبق نفس المبادئ على المؤسسة المدرسية؟ انطلاقا من هذا التساؤل، بدأ التعامل مع ما يجري داخل المؤسسة المدرسية، يتم تماما كما يتم التعامل في المؤسسة الصناعية، حيث شرع في تطبيق طرق التسيير المتبعة في المقاولات الصناعية على المدرسة. وبدأ الحديث عن التعليم النسقي أو التعليم بواسطة الأهداف الذي يرفض كل شيء ينتمي إلى الصدفة والارتجال، والاعتماد على عقلنة الفعل التعليمي تخطيطا وهيكلة وتنفيذا وتقويما. 
3. النظرية السلوكية في التعلم: فإلى جانب الفلسفة البرغماتية والتطور الصناعي في المجتمع الأمريكي، تستمد بيداغوجية الأهداف الكثير من معطياتها مما اعتمدته النظرية السلوكية في التعلم، من مفاهيم ومباديء وعمليات تطبيقية يقوم عليها (الرجوع إلى درس التعلم ونظرياته). ولقد حاول بعض منظري ديداكتيكية الأهداف البيداغوجية، العمل على تطبيق أهم مبادئ السلوكية، خاصة ما يرتبط بتلك المظاهر التي تكون قابلة للملاحظة والقياس والضبط، مع التركيز على السلوكات الجزئية، وهو ما يمكن أن نجد له مقابلا في ديداكتيكية الأهداف، ضمن الصياغة الإجرائية لها، كما سنرى لاحقا، متجاوزين الممارسات القائمة على الحدس والتخمين، وذلك بوضع خطة محكمة، تحدد على ضوئها الأهداف والمحتويات ومختلف الإجراءات الموظفة عند التنفيذ. 
وانطلاقا من التأثيرات النظرية على ظهور ديداكتيكية الأهداف البيداغوجية، دفعت بهذه الأخيرة إلى الاعتماد على مبادئ العقلنة والأجرأة والبرمجة التي وجهت الأعمال التي أنجزت في إطار هذه الديداكتيكية.
IV - مزايا تحديد الأهداف البيداغوجية: 
تساعد في صياغة المنهج وتحديد محتوياته وموضوعات الدراسة فيه والخيارات التي تشتمل عليها تلك الموضوعات، كما تخلق الانسجام بين مكونات العملية التعليمية التعلمية. 
1. تساعد في وضع المعايير الأساسية، لما سوف يدرس وكيف يجب أن يدرس. 
2. تساعد في اختيار الموضوعات في مجالات المعرفة المختلفة. 
3. تساعد على تسهيل التواصل بين مختلف الأطر. 
4. تساعد في تقويم عملية التعليم - التعلم والتحصيل الدراسي. 

V - صفات الهدف البيداغوجي: 
1. يكون ثابتا: هدف ديني - سياسي - لغوي - وطني - قومي - إنساني. 
2. يكون متغيرا: يتغير وفق متغيرات ومخططات التنمية المتعاقبة، والإمكانات والتوجهات... 

VI- بيداغوجية الأهداف أو التدريس بواسطة الأهداف: 
يقوم تخطيط الوضعيات الديداكتيكية (التعليمية التعلمية) على الأهداف البيداغوجية التي تحتل موقعا هاما داخل العملية التعليمية التعلمية أو المنهاج الدراسي. وبشكل عام، داخل كل خطاب تربوي، سواء تعلق الأمر بالتوجهات العامة للسياسة التعليمية أو بالممارسة التعليمية العملية... الأمر الذي أدى إلى ظهور اتجاه تربوي، أطلق عليه، "التعليم بواسطة الأهداف"، في إطار الديداكتيك العام، ضمن المنهاج الدراسي، والذي عرف تطورا مؤخرا فيما يعرف حاليا "بالتدريس بواسطة الكفايات". 
إن "التدريس بواسطة الأهداف"، يقودنا نظريا إلى التعليم النسقي L'enseignement systématique الذي يعتمد على نظرية الأنساق، وهي نظرية، ترفض كل شيء ينتمي إلى الصدفة، لتهتم بالتنظيم المنهجي والعقلاني للتعليم. وقد برز هذا التيار منذ الخمسينات، بتوجيهه نحو عقلنة الفعل التعليمي، عن طريق التخطيط والهيكلة والتنفيذ والتقويم، وربط نتائجه بمفهوم المردودية والإنتاجية، حسب النموذج التعليمي بواسطة الأهداف. هذا الاتجاه التربوي الجديد، يمتاز عن غيره من النماذج، بميزة أساسية، وهي أنه، يقدم للمدرسين نظاما متكاملا في التدريس، كما يقدم نسقا قابلا للتطبيق، منسجما في جميع جزئياته ومكوناته. 
أ. مكونات نسق التعليم والتعلم بواسطة الأهداف، في إطار المنهاج الدراسي: 
إن نموذج التعليم بواسطة الأهداف، يشمل في الغالب، خمس (5) مكونات أو عناصر التي تمكن المؤطر والمدرس، من تخطيط وتنظيم درسه، وهي: 
1. الأهداف، 2. المحتوى، 3. الطرائق، 4. الوسائل، 5. التقويم. 
هذه العناصر وهذه المكونات، تشكل الخطوات التي سيقطعها المدرس، حين يهيئ أو ينجز درسه بواسطة الأهداف. 
وهكذا، يمكن أن نضع للمدرسين خطوات إجرائية، ينبغي أن يقطعوها عند ممارستهم للتعليم بواسطة الأهداف، وهي: 
1. أحدد الأهداف بالشكل التالي: أحدد الأهداف العامة من الدرس، على شكل قدرات ومهارات ومواقف، سوف يكتسبها التلاميذ (معرفة، فهم، تطبيق...) ثم أحول هذه الأهداف العامة إلى أهداف خاصة توحي بمحتويات معينة محددة، ثم أصيغ أهدافا إجرائية، تبين الأفعال و السلوكات التي سيقوم بها المتعلم، لكي يبرهن على بلوغ النتائج المرجوة. 
2. أنتقي المحتويات الملائمة للأهداف التي حددتها، وأنظمها وفق نسق مترابط. 
3. أختار الطريقة الملائمة التي تبين لي ماذا سأفعل وسيفعل المتعلمون، وكيف سأقدم المحتوى. 
4. أختار الوسائل التي ستساعدني على تحقيق الأهداف، وأحدد نوعها وكيفية توظيفها، ومن سيستعملها؟ 
5. أضع خطة للتقويم، تتضمن الهدف منه والأدوات التي سأستعمل والشروط التي سينجز فيها والمعايير التي ستمكنني من قياس ما يلي: 
1. 5. مدى تحكم المتعلمين في المكتسبات السابقة (في أول الدرس). 
2. 5. مدى ضبط وتكييف المحتويات والطرق والوسائل (أثناء الدرس). 
3. 5. تمحيص النتائج المتوصل إليها (آخر الدرس). 
4. 5. مدى ملائمة الأهداف المحددة (أثناء وآخر الدرس). 

. VII نقد التدريس بواسطة الأهداف 
تعرضت نظرية الأهداف أو التدريس بواسطة الأهداف، إلى مجموعة من الانتقادات في الغرب، منها بشكل موجز: 
1. لا تتيح للمدرس الحرية في اختيار الطريقة المناسبة، بل إنها تفرض عليه حينما يترجمها إلى خبرات. 
2. ليس هو الذي يبدع الأهداف، بل يقوم بترجمتها إلى مواقف سلوكية (السويدي مركلان Marklund). 
3. تعمل على تقيد المهارات الإبداعية والمبادرة عند المدرسين (الولايات المتحدة). 
4. إن التحديد المسبق للأهداف، تمنع المدرسين من الاستفادة من الفرص التعليمية غير المتوقعة التي تحدث داخل الفصل الدراسي، بمعنى أن هناك مستجدات سيكولوجية وبيداغوجية، تحدث من المتعلم والمدرس، يفرضها الموقف التعليمي ولا تتناولها الأهداف (جاكسون Jachson). 
5. وجه البعض النقد إلى الأهداف، من الجانب الشمولي لها، بمعنى أن بعض جوانب السلوك لا تصلح صياغتها في صورة أهداف كمقياس لسلوك المتعلم، مثل المهن الدقيقة والدراسات الإنسانية، وذلك لاختلاف الثقافات والبيئات، وكذا الفروق الفردية ونسبة الذكاء... الخ. 
6. وهناك من ينتقد الأهداف السلوكية على أنها عملية روتينية بالنسبة للموقف التعليمي، بمعنى أن المادة التعليمية ثابتة، فيغلب على الأهداف، بناء عليه، طابع الثبات، بحيث أن المدرس يشتق أهداف المادة التعليمية من الأهداف العامة الثابتة، ويكررها كل سنة تقريبا، مما يؤدي إلى الملل. 
7. ومن أعنف هجوم على نظرية الأهداف، تلك التي وصفها أحد التربويين الإنجليز، بأنها: "العصا الغليظة التي ستعمل على إرهاب المتعلمين، وهي مطلب من مطالب التبرير التربوي، وليست وصفا لما يمكن توقعه من سلوك، وهي في نفس الوقت، جزء من الحوار السياسي، وليس الحوار التربوي، كما أنها ليست تنظيما بقدر ما تمثل التعبير الساخط في وجه تحمل المسؤولية التربوية". 
وهناك أصوات في عالمنا العربي، لا تقل في هجومها عن خصوم نظرية الأهداف السلوكية في الغرب. فقد وصفها ممدوح الصدفي، (في مجلة التربية، جامعة الأزهر، ع. 2، السنة 1)، بأنها لا تقوم بأكثر من مجرد إسهام هامشي في تحسين العملية التعليمية، واستشهد بآراء كل من جينكنز Jenkins ودينو Déno، في نقدهم للأهداف السلوكية، حيث وجد هؤلاء: "أنه لا الأهداف السلوكية في ذاتها، ولا درجة تحديد هذه الأهداف، يؤدي إلى زيادة تعلم الطلاب". ويستعرض الصدفي أوجه النقد، ممثلة في: 
1. عدم وجود علاقة بين المعرفة والسلوك النهائي للمتعلم. 
2. ينتقد استخدام الأفعال السلوكية التي يمكن قياسها وملاحظتها في نفس الوقت، وإهمال الأفعال الأخرى. 
3. الأهداف السلوكية لا تراعي الفروق الفردية، بل تصاغ كسلوك متوقع من جميع المتعلمين على السواء. 
4. إن الفرد، ربما يفكر أو يحس بأمر ما، ولكنه لا يعبر عنه سلوكيا بفعل مرئي. 
فالمجال لا يتسع هنا لبحث جميع الآراء التي تؤيد أو تخالف الأهداف السلوكية، ولكننا نؤكد أن نظرية الأهداف، تلعب دورا حيويا في تنشيط عملية تطوير المنهاج الدراسي بمفهومه الشامل، والذي يتضمن المحتوى وتنظيم الخبرات وطرائق التدريس والتقويم، وفي نفس الوقت، لا يمكن أن نعمم نظرية الأهداف على جميع مراحل التعليم من جهة، ولا على جميع موضوعات الدراسة، من جهة أخرى، إذ أن المرحلة الابتدائية التي تعتبر من أخطر مراحل التعليم، لا يمكن لنا تحديد أنواع السلوك التي نتوقع من المتعلم ممارستها في حصة دراسية أو وحدة دراسية معينة، لأن تفكير الطفل المادي، يسمح له بتوظيف حواسه كلها لاكتساب مجموعة من الخبرات اللغوية والاجتماعية والجسمية والانفعالية، ما لا يمكن حصرها في أهداف سلوكية. ولكن يمكن تطبيق نظرية الأهداف السلوكية على موضوعات محددة، كاللغة والجغرافية والعلوم... لكن هل هذا هو هدف التربية؟ 

VIII. من بيداغوجية الأهداف إلى بيداغوجية الكفايات (أو من التدريس بواسطة الأهداف إلىالتدريس بواسطة الكفايات): 
يمثل التدريس بالكفايات، باعتباره الجيل الثاني من التدريس بالأهداف وامتدادا له, حركة تصحيحية داخل بيداغوجية الأهداف، نتيجة انحراف المدرسة السلوكية التي عرفت الإغراق في النزعة التقنية والسلوكية التجزيئية، على حساب النظرة الشمولية للتدريس. وهي تخضع المتعلمين لآليات التعليم والتنميط،، وتسلبهم حرية الإبداع والاختيار والتثقيف الذاتي. فتحديد الأهداف، يركز فقط على وصف النتيجة النهائية والمتمثلة في السلوك الخارجي الذي ينبغي إنجازه من طرف المتعلمين، غير أن هذه النتيجة لا تبين التغيرات الداخلية التي يحدثها النشاط في نفسية المتعلم. كما أن صياغة الأهداف وإن كانت واضحة ومحدودة ومقبولة, لا تخبرنا في الحقيقة عن المواطن التي يتحكم فيها المتعلم، كما لا تخبرنا أيضا عما سيعرفه، ولا عما سيكتسبه من قدرات، ولا عن الخطوات التي سيوظفها. 
فإذا كان نموذج التدريس الهادف، الذي يتبنى التصور السلوكي يختزل مكتسبات التلاميذ التعليمية التعلمية في العمل على تحقيق سلسلة من الأهداف السلوكية التي تقود إلى تجزيء؛ بل إلى تفتيت النشاط إلى الحد الذي سيصبح المتعلم معه عاجزا على تبيان ما هو بصدده؛ ومن الصعب معرفة مغزى نشاطه، فإن التدريس بالكفايات لا يعتبر سلوكا كانعكاس أي رد فعل كما يراه السلوكيون, بل سلوكا كنشاط ومهام. لذلك تعرف فيفيان دولاند شير V. De Landsheereالكفاية بكونها "تعبير عن القدرة على إنجاز مهمة معينة بشكل مرض". 
وفي هذا السياق، نسترشد بتعريف مركز الدراسات البيداغوجية للتجريب والإرشاد (CEPEC) هذا المركز أصدر كتابا مرجعيا من تأليف جماعي وتحت إشراف بيير جيلي سنة1994 تحت عنوان: بناء التكوين: أدوات للمدرسين والمكونين. هذا المرجع يقدم تصورا للكفاية بشكل مركز على النحو التالي: "تعرف الكفاية كنسق من المعارف المفاهيمية (الذهنية) والمهارية (العملية) والتي تنتظم على شكل خطاطات إجرائية، تمكن داخل فئة من الوضعيات (المواقف)، من التعرف على مهمة/ مشكلة وحلها بإنجاز أو أداء ملائم". 
ومن جهة أخرى، يعتقد لوبلاط J. Leplat 1991: أن مفهوم الكفاية لا يختلف كثيرا عن بعض المفاهيم القريبة منه مثل: المهارةhabilité. حسن الأداء. savoir faireالخبرة expertise. القدرة capacité. 
ويصرح أن هذه المفاهيم عادة ما يشرح بعضها البعض الآخر، وعادة ما يتم استعمال الواح-دة منها مكان الأخرى. كما يميز لوبلاط بين ثلاث تصورات مختلفة لمفهوم الكفاية: التصور السلوكي béhavioriste والتصور المعرفي cognitiviste والتصور الوظيفي fonctionnaliste. 
فإذا كان التصور السلوكي يعرف الكفاية بواسطة الأعمال والمهام tâches التي يقدر الفرد على إنجازها، و التصور المعرفي على العكس, ينظر إلى الكفاية كإستراتيجية ونظام من المعارف، يمكن من احتواء وتأطير النشاط، فإن التصور الوظيفي، يعتبر الكفاية وظيفة وليست سلوكا؛ بمعنى أنها تتشكل من عناصر متفاعلة، فيها ما هو فطري ومكتسب ونشاط وظيفي، تمكن صاحبها من التحكم في بعض المواقف والوضعيات. ويتضح من هذا أن الكفاية سلوك مركب فطري، ومكتسب ووظيفي. ويميل محمد الدريج إلى هذا الاتجاه في كتابه "الكفايات في التعليم" حيث يقول: "على أنها (الكفاية) تمثل مرحلة امتداد وتجاوز للتصور السلوكي المتخشب والآلي للأهداف، لأن الغاية ليست سلوكية في حد ذاتها ولكن سلوكيتها تستمد من النشاط الوظيفي والهادف الذي يصدر عنها. فإذا كانت الكفاية تلاحظ بواسطة النشاط النوعي الذي يميزها، فإنه ليس محرما التفكير في كون الكفاية تتضمن، داخل الفرد بشكل واع أو غير واع، عمليات عقلية تمكن من تنظيم وترتيب أنشطة، تستهدف غاية مأمولة". 
ويستنبط لوبلاط للكفاية أربع خصائص: 
- الكفايات غائبة: أي معارف إجرائية ووظيفية، تتجه نحو العمل لأجل التطبيق. 
- الكفايات مكتسبة: تكتسب بالتعلم في المدرسة أو في مكان العمل وغيرهما. 
- الكفايات منتظمة: تنتظم في وحدات منسجمة حسب تصنيفات أو سلالم وأنساق. 
- الكفايات داخلية: أي لا يمكن ملاحظتها إلا من خلال نتائجها وتجلياتها. 
الكفاية عموما، هي القدرة على تحصيل متعلم لمادة ما أو إنجازه لعمل ما، أو لإتقانه لمهارة من المهارات المرغوب تحقيقها، انطلاقا من عدد من المعايير والإجراءات، الصالحة والقابلة لتقويم إنجازاته ومستوى تمكنه من استيعاب كنه المادة أو النشاط المطلوب. 
انطلاقا مما سبق، يمكن تصنيف هذه الكفايات إلى مستويات وأقسام وأنواع: 
أ - مستويات الكفايات: تتعلق عند "بلوم" بالمجالات التالية: المعرفية, الوجدانية, الحس حركية (السلوكية). وتنطلق من ثلاث مستويات: 
1. كفايات التقليد: وهي تمكن من إنتاج أنشطة مطابقة للأصل دون فهم. 
2. كفايات التحويل: وهي تمكن، انطلاقا من وضعيات معينة, من العمل أمام وضعيات مشابهة وقياس وضعيات جديدة بوضعيات سابقة. 
3. كفايات التجديد: وهي تعتمد على مواجهة مشاكل ووضعيات جديدة لم تكن معروفة من قبل، وتقديم حلول لها (حل المشكلات). 
إلا أن الكفايات تختلف فيما بينها. فهناك: 
1. الكفايات العامة أو القابلة للتحويل: وهي التي تيسر إنجاز عدة مهام (القدرات). 
2. الكفايات الخاصة: وهي التي تعبر عن مهام معينة ومحددة بشكل دقيق (المهارات). 
هذا إلى جانب الكفايات التي تيسر التعلم وحل المشكلات الجديدة، والتي تيسر العلاقات الاجتماعية والتفاهم بين الأفراد، وكفايات تهم المعارف، وكفايات متعددة الوظائف؛ كالقدرة على القيام بأنشطة مختلفة. 
إن مختلف الكفايات هذه، التي يمتلكها الأفراد أو المتطلبة في وضعية معينة، هي التي تسمح بتحديد مواصفات الكفايات المراد بناؤها. 
ب - أقسام الكفايات: وهي قسمان: 
1. الكفايات الدنيا: وهي القدرة على القيام بمهمة بشكل ملائم. وتمثل الدرجة السفلى من المعارف والمهارات التي يتوفر عليها المتعلمون في سلك دراسي معين, باعتبارها إنجازات ضرورية لتكيف المتعلمين مع محيطهم. ولأنه يمكن التحكم فيها في سلك تعليمي واحد من خلال وحدات تعليمية منظمة. 
2. الكفايات العليا: تلك التي يمكن مقابلتها بالأهداف الغائية وهي تمثل هدفين: 
- أهداف التعليم: مصاغة بشكل دقيق على سلوكات، لأن الأهداف الإجرائية أو اكتساب سلوكات إجرائية، وسيلة ومرحلة من مراحل اكتساب قدرات وكفايات معينة أو بلوغ وتحقيق أهداف عامة منشودة. 
- أهداف الوضعيات: أي أهداف مصاغة في شكل مهام أو مشكلات، تطلب من المتعلم الاكتشاف والابتكار والمناقشة والنقد. 
ج- أنواع الكفايات: يمكن التمييز هنا بين نوعين أساسيين من الكفايات: 
1. الكفايات الخاصة أو النوعية: وهي المرتبطة بمجال معرفي أو مهاري أو وجداني محدد. وهي خاصة، لأنها ترتبط بنوع عدد من المهام التي تندرج في إطار مواد دراسية أو ضمن مجالات تربوية أو ميادين معينة. 
2. الكفايات الممتدة: وهي التي يمتد مجال تطبيقها وتوظيفها, ولا ترتبط بأي مجال محدد، وتمثل أيضا خطوات عقلية ومنهجية إجرائية مشتركة، بين مختلف المواد الدراسية التي يستهدف تحصيلها وتوظيفها خلال عملية إنشاء المعرفة والمهارات المنتظرة. 
لقد تم اعتماد مفهوم الكفاية في التدريس اليوم، كاختيار بيداغوجي ديداكتيكي، ليشمل في مدلوله البيداغوجي مفهومي القدرة والمهارة بمعناهما المركب، أي أنه لا يحيل على أفعال جزئية معزولة، بل يحيل على قدرات ومهارات متعددة ومتصلة ومؤتلفة، في بنية عقلية أو حس حركية أو وجدانية، قابلة للتكيف والملائمة والاندماج مع وضعيات جديدة. كما أن مفهوم الكفاية البيداغوجية الذي ليس مجرد تطبيق ميكانيكي آلي للكفاية، وإنما هو استخدام ونقل إبداعي لها لا يخضع للقياس والملاحظة دائما. فالكفاية إذن ذات طابع شمولي مركب ومندمج، وهي استعداد يكتسبه المتعلم أو ينمى لديه، ليجعله قادرا على أداء نشاط تعليمي ومهام معينة. 
وهكذا فإن ما يبرر الحديث عن الجيل الثاني من الأهداف البيداغوجية، حسب محمد الدريج، "هو أن الكفايات أصبحت تشكل مدخلا مستقلا للتعليم والتكوين مقابل مدخل الأهداف الإجرائية، حتى لا يبقوا سجناء التصور السلوكي للتعليم، ويفضلون الحديث عن الإجراءات وعن مؤشرات التي تصلح لتقويم مدى حصول الكفاية وتتضمن المهارات العملية ومختلف الأداءات التي ينجزها المتعلم لتوظيف الكفاية عمليا وواقعيا".  


المراجع: 
- تحليل العملية التعليمية. د. محمد الدريج. منشورات مجلة الدراسات النفسية التربوية. 1983. 
- الدرس الهادف. د. محمد الدريج. مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء. 1990. 
- الأهداف التربوية. سلسلة علوم التربية، عدد 1. مجموعة من الباحثين. مطبعة نجم الجديدة. 
- كيف ندرس بواسطة الأهداف. سلسلة علوم التربية، عدد 2. مجموعة من الباحثين. مطبعة نجمالجديدة. 1989. 
- الأهداف العامة والأهداف السلوكية. د. زكريا الحاج إسماعيل. مجلة الدراسات النفسية والتربوية. ع. 10. 1989. 
- التعليم الأساسي وبيداغوجية الأهداف. كتاب تكوين معلمي السنة السادسة من التعليم الأساسي. منشورات و. ت. و. 
- الكفايات في التعليم. د. محمد الدريج. سلسلة المعرفة للجميع. رقم 16. منشورات رمسيس. 2000. 
- الكفايات واستراتيجيات اكتسابها. عبد الكريم غريب. منشورات عالم التربية. 2001. 
- Comment définir les objectifs de l'éducation. R. E. Mager. Ed. Bordas 1977.
- Définir les objectifs de l'éducation. De Landsheer et Gilbert. Ed. P. U. F. Paris. 1980. 
- Rendre opérationnels les objectifs pédagogiques. Birzea César. Ed. P. U. F. Paris. 1979. 
- Des fins aux objectifs de l'éducation. D'Hainaut Luis. ed. LABOR. 4°ed. 
- Taxonomie des objectifs pédagogiques. Bloom. B. Trad. Laval. 
- Construire la formation: outils pour les enseignants et les formateurs. CEPEC (ESF éd. Paris 1994). 
- Faire réussir, faire échouer la compétence minimale. V. De Lansheere. PUF. Paris. 1988
ذ. بنعيسى احسينات
الحوار المتمدن-العدد: 2310
logo
تطوير المواقع والبرمجة وامن المعلوميات
  • فيسبوك
  • تويتر
  • انستغرام
  • اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

    مواضيع ذات صلة

    فتح التعليقات
    إغلاق التعليقات

    0 الرد على "تخطيط الوضعيات الديداكتيكية والتدريس: من الأهداف إلى الكفايات"

    إرسال تعليق

    اعلان اعلى المواضيع

    header ads

    اعلان وسط المواضيع 1

    header ads

    اعلان وسط المواضيع 2

    header ads

    اعلان اسفل المواضيع

    header ads